قضية اعمار غزة، أحد أهم المحاور الرئيسية للمراحل المقبلة لخطة وقف حرب الإبادة على غزة، وهي الأهم لاستعادة الحياة في القطاع، وتوفير حياة آمنة اجتماعياً لأكثر من مليوني ونصف المليون فلسطيني.
لكن يبقى أن الأمر ليس سهلاً، وهناك العديد من التحديات التي تواجه عمليات إعادة الإعمار، وكيفية ضمان نجاح حقيقي، في ظل دمار شامل، طال كل مقومات الحياة من مسكن وخدمات تعليمية، وصحية وطرق ومرافق، وشبكات وأبار مياه، وصرف وكهرباء، وغيرها.
ويعني هذا أن قطاع غزة يحتاج إلى بناء جديد لمدنه بكل ما تعنية المسألة، من أعمال بناء لمدن جديدة كلياً، من الأف إلى الياء، ومن هنا تأتي أهمية الخطة المصرية لإعادة اعمار غزة، في ضوء ما أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي عن استضافة مصر مؤتمرًا دوليًّا لإعادة إعمار غزة في نوفمبر 2025.
الأهمية النسبية للمبادرة المصرية في ظل الدمار الهائل الذي خلّفته الإبادة الجماعية، فقد تم تدمير المستشفيات والمدارس، وتعرّضت الغالبية العظمى من سكان القطاع للنزوح القسري، فحسب أرقام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن نسبة الدمار في القطاع بلغت نحو 90%، ، مع تعطيل 38 مستشفى، نتيجة إلقاء جيش الاحتلال أكثر من 200 ألف طن من المتفجرات على غزة خلال عامي الحرب وتضررت 95% من مدارس القطاع بشكل جزئي أو كلي نتيجة القصف، وكل هذا وغيره كثير، بخلاف اقتراب الشهداء والمفقودين من 77 ألف شخص، مع إصابة ما يقترب من 170 ألف شخص.
وفي ظل هذه المآسي طرح تقرير مهم لمركز "حلول للسياسات البديلة" التابع للجامعة الأمريكية، عدة أسئلة، حول ما تتضمنه الخطة المصرية لإعادة الإعمار؟ وما هي الدروس المستفادة من تجارب ما بعد الحرب الأخرى التي يمكن أن تجعلها أكثر استدامة؟
التقرير يؤشر إلى مسألة مهمة جداً، موضحا أن نجاح الخطة المصرية يعتمد على توافر تمويل مستدام واستمرار الضغط الدولي على إسرائيل للسماح بالوصول إلى القطاع، كما يتطلب تحقيق الأمن والمصالحة الوطنية أولًا كقاعدة أساسية، وإشراك الجهات الفاعلة الوطنية والإقليمية في التخطيط وصنع القرار، وتعزيز التنمية القائمة على المشاركة المجتمعية، مع ضرورة تقديم المساعدات بشفافية ودون شروط ضمن أُطر تنسيقية متعددة المانحين، مع إعطاء الأولوية للشركات والقوى العاملة المحلية.
وربط التقرير بين متطلبات الخطة المصرية، وما جرى من مباديء والجهود السابقة لإعادة الإعمار، بعد حربي 2008 و2014، على غزة، واللتين، يرى التقرير أنهما أخفقا إلى حد كبير في تحقيق أهدافهما.
أسباب هذا الإخفاق يرتد إلى نقص التمويل والانقسام الفلسطيني الداخلي وضعف تنسيق المساعدات وتعطيل منظومة الحكم المحلي وتدميرها بسبب الاجتياحات الإسرائيلية وغياب نهج شامل يتعامل مع إعادة إعمار غزة كجزء من إستراتيجية أوسع نطاقًا للتعافي السياسي والاقتصادي والاجتماعي تعترف بالحقوق الفلسطينية.
والجزء الأخطر هو ما دأبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، في إفشال أي خطط، من خلال الحصار، وعرقلة اية جهود لإعادة الإعمار بصورة مستمرة من خلال فرض قيود على دخول المواد والمساعدات إلى فلسطين، وهو المتوقع من الجانب الإسرائيلي في أي خطط مستقبلاً، وحالياً.
مسألة مهمة أخرى من المهم أن يتم أخذها في الاعتبار، وهي تجربة العراق في إعادة الإعمار بعد الغزو الأمريكي في 2003، فرغم تدفق المساعدات الدولية الضخمة، ظلت نتائج التعافي محدودة، ويرجع ذلك، وفقا لما يراه تقرير "حلول للسياسات البديلة"، لغياب المشاركة والقيادة الوطنية وعدم استيعاب الواقع المحلي، والتركيز على تحقيق نتائج سريعة.
وهناك قضية رئيسية لمحدودية نتائج خطة إعادة إعمار العراق، وهي أن برامج إعادة إعمار العراق خضعت لمساءلة المانحين الأجانب فقط، وهو ما زاد من تهميش المواطنين والمؤسسات العراقية، بخلاف غياب الشفافية في المشتريات والإدارة المالية إلى تفشي الفساد وضعف الكفاءة، ولهذا تدهورت البني التحتية من طرق ومرافق وكهرباء سريعاً، في وقت غياب تطوير الكوادر المحلية للإدارة.
ومن المعوقات التي وضعتها بعض الجهات - سواء أجنبية أو عربية، فيما عدا مصر- المتوقع أن تساهم في تمويل إعادة الإعمار لغزة، والتي ستكون أكبر المعوقات، عدم تقديم منح لإعمار أي مناطق تخضع لسيطرة (حماس)، وعدم توفير منح قبل نزع سلاح حركات المقاومة، أو قل غزة تحديداً.
ومن خلال تجارب إعادة إعمار غزة والعراق، من الضروري، مراعاة احتياجات الأطراف الوطنية في مقدمة الأولويات، فأي توجهات تخدم مصالح الجهات المانحة الخارجية، مصيرها الفشل، والنتائج المحدودة.
نجاح الإعمار الحقيقي يتطلب ضرورة العمل بدقة على تنفيذ مراحل الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة، والتي تشمل التعافي المبكر وإعادة الإعمار والتنمية، وهذا يحتاج إلى خمس سنوات، لضمان استعادة الأمن وحركة التنقل والخدمات الأساسية، وكذلك مرحلة تعزيز البنية التحتية المادية والاجتماعية لغزة، ووضع أسس النمو المستدام لخلق فرص العمل وتوسيع النشاط التجاري وإنشاء مناطق صناعية تربط غزة بالأسواق الإقليمية.
--------------------------
بقلم: محمود الحضري
 
                    





